بسم الله الرحمن الرحيم..
السلام عليكن ورحمة الله وبركاته..
أخواتي العزيزات:
مرحباً بكن في هذه الشامخة من قصائد الدكتور:غازي القصيبي..
والتي بعنوان (إلى أمي أم النخيل"الـهـفـوف")..
استمتعتُ بها فأحببتُ أن أشارككن المتعة..
نبذة موجزة عن موضوع القصيدة:
هنا الشاعر يعاني من آلام فراق حبيبته وأمه ..(دياره الهفوف)..
وهي أحد المناطق القابعة في محافظة الأحساء التي اشتهرت
بالعيون والنخيل وثمرها الطيب....
وقد سطَّر الشاعر كلمات اعتذار لهذه الحبيبة التي فارقها وكان عليه أن
لا يفارقها....ويخبرها بعودته إلى حضنها..طالباً منها العفو عن ذنبه
الذي اقترفه...!!!
الـــــــــــقـــــــصــــيــــــــــدة:
أتذكُرينَ صبيّا عادَ مُـكتهلا
مسربلاً بعذابِ الكونِ .. مُشتملا؟
أشعاره هطلتْ دمعاً ... وكم رقصتْ
على العيونِ ، بُحيراتِ الهوى ، جَذلا
هُفوفُ! لو ذقتِ شيئاً من مواجعهِ
وسّدتِهِ الصدرَ .. أو أسكنتِه الخُصَلا
طال الفراقُ.. وعذري ما أنوءُ بهِ
يا أمّ! طفلُكِ مكبولٌ بما حَمَلا
لا تسألي عن معاناةٍ تمزّقني
أنا اخترعتُ الظما.. والسُّهدَ.. والملَلا
هل تغفرينَ؟ وهل أمٌّ وما نثرتْ
على عقوقِ فتاها الحبَّ والقُـبُـلا
*
ضربتُ في البحرِ .. حتى عدتُ منطفئاً
وغصتُ في البرّ.. حتى عدتُ مشتعلا
أظما .. إذا منعتني السحبُ صيِّـبَـها
أحفى .. إذا لم تُردني الريحُ مُنتعلا
ويستفزُّ شراعي الموجُ ... يلطمُهُ
كأنّه من دمِ الطوفانِ ما غُزلا
ورُبَّ أوديةٍ .. بالجنِّ صاخبةٍ
سريتُ لا خائفاً فيها ... ولا عَجِلا
تجري ورائي ضباعُ القفرِ .. عاويةً
والليثُ يجري أمامي .. يرهبُ الأجَلا
كأنّما قلقُ الجُعْفيّ .. يسكنني
هذا اللي شَغَلَ الدنيا .. كما شُغِلا
*
يا أمُّ عانيتُ أهوالاً .. وأفجعُها
مكيدةُ الغدرِ في الظلماءِ مُختتِلا
أواجهُ الرمحَ في صدري .. وأنزعهُ
والرمحُ في الظهرِ .. مسّ القلبَ .. أو دخلا
ألقى الكُماةَ بلا رُعبٍ .. ويُفزِعُني
هجرُ الحبيبِ الذي أغليتُهُ .. فسَلا
أشكو إليكِ حسانَ الأرضِ قاطبةً
عشقتهنّ .. فكانَ العشقُ ما قََتَلا
ويلاهُ من حرقةِ الولهانِ ... يتركُهُ
مع الصبابةِ .. شوقٌ ودّع الأملا
أشكو إليكِ من الستّينِ ما خَضبَتْ
من لي بشيبٍ إذا عاتبتهُ نَصَلا ؟!
تهامسَ الغيدُ "ياعمّي!" فوا أسفاً
أصيرُ عمّا.. وكنتُ اليافِعَ الغَزِلا
لا تعجبي من دماءِ القلبِ نازفةً
واستغربي إن رأيتِ القلبَ مندمِلا
*
يا أمُّ ! جرحُ الهوى يحلو .. إذا ذكرتْ
روحي مرارةَ شَعبٍ يرضَعُ الأَسَلا
يفدي الصغارُ بنهرِ الدمِّ مَقدسنا
مالي أقلّبُ طرفي .. لا أرى رجلا ؟!
أرى الجماهيرَ .. لكن لا أرى الدُوَلا
أرى البطولة .. لكن لا أرى البطلا
لا تَذكري .. لي صلاحَ الدين .. لو رجعتْ
أيَّامُه .. لارتمى في قبرهِ خجَلا
أين الكرامةُ .. هل ماتتْ بغُصّتِها ؟
أين الإباءُ .. أملَّ الجُبْنَ .. فارتحلا ؟
عجبتُ من أمّةِ القرآنِ .. كيفَ غَدَتْ
ضجيعةَ الذُلِّ .. لا ترضى به بدَلا
أسطورةُ السِلْمِ .. ما زلنا نعاقرُها
يا مَنْ يصدّق ذئباً صادقَ الحَمَلا !
حمامةُ السِلمِ .. حُلمي أن أقطعها
وأن أعود بصقرٍ يقنصُ الوَجَلا
"شارونُ" نحن صنعناهُ بخشْـيـَتـِنا
كم خشيةٍ صنعتْ من فأرةٍ جَبَلا
تعملقَ القِزْمُ .. لمّا قُزّمت قِمَمٌ
واستُنْسِختْ نملةٌ في ذُعرنا جَمَلا
هاتِ الفؤادَ الذي ثارَ اليقينُ بهِ
واقذفْ بيَ النصرَ .. أو فاقذف بيَ الأجَلاَ *
أمَّ النخيل ! ... هبيني نخلةً ذَبُلتْ
هل ينبتُ النخلُ غضّاً بعد أن ذَبـُلا ؟!
يا أمُّ .. رُدّي على قلبي طفولَته
وأرجعي لي شباباً ناعماً أفِلا
وطهّري بمياهِ العينِ .. أوردتي
قد ينجلي الهمُّ عن صدري إذا غُسـِلا
هاتي الصبيَّ ... ودُنياه .. ولُعبـَتـَه
وهاكِ عُمري ... وبُـقيا الروحِ والمُـقَلاَ
*
*
غازي القصيبي
2001م
من ديوانه: للشهداء
المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2004م
أرجو أن تكون القصيدة محط إعجابكن..
بانتظار آرائكن..
دمتن بحفظ الله ورعايته..